مجتمع

انتخابات الرئاسة 2024: الرأي العام الأمريكي بين حزبي الفيل والحمار

لماذا تسبب صعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في خلط الأوراق وانقسام الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية؟

future الرأي العام الأمريكي بين حزبي الفيل والحمار

في خضم المعارك الانتخابية المثيرة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية، يحاول الطرفان حشد أكبر ما يمكنهما من الدعم الشعبي قبيل جولة الاقتراع المنتظرة في نوفمبر المقبل. ويستخدم الحزب الديمقراطي شعار الحمار، أما الحزب الجمهوري فيستخدم رمز الفيل. ويتداول الطرفان السلطة بشكل متبادل باستمرار؛ فالرأي العام الأمريكي يميل للتغيير، وهناك متغيرات كثيرة تؤثر على وجهته واختياراته.

الولايات الحمراء والزرقاء

ينقسم ولاء الولايات الأمريكية ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتوصف الولايات الديمقراطية بالزرقاء والجمهورية بالحمراء. وقد أصبح هذان اللونان جزءاً لا يتجزأ من التغطية الإعلامية للانتخابات الوطنية في الولايات المتحدة، وهي تقاليد مستحدثة بدأت مع انتشار التلفزيون الملون، فاعتمدت الشبكات الإعلامية الثلاث الكبرى «إن بي سي NBC»، و«سي بي إس CBS»، و«إيه بي سي نيوز ABC News» خرائط انتخابية ملونة لتغطية ليلة الانتخابات.

ففي الانتخابات الرئاسية لعام 1976 بين جيمي كارتر وجيرالد فورد، استخدمت شبكتا «إن بي سي» و«سي بي إس» اللون الأزرق للدلالة على فوز الجمهوريين والأحمر للولايات الديمقراطية، بينما اختارت شبكة «إيه بي سي نيوز» اللون الأصفر للجمهوريين والأزرق للديمقراطيين. وفي عام 1984، استخدمت شبكتا «إيه بي سي» و«سي بي إس» اللون الأزرق للديمقراطيين والأحمر للجمهوريين، وهو اللون الذي أصبح معياراً في جميع أقسام الأخبار بحلول عام 1992.

في انتخابات عام 2000، لم يتمكن جورج دبليو بوش ولا آل جور من تأمين الأغلبية، واتجهت كل الأنظار إلى فلوريدا؛ حيث كانت النتيجة متقاربة للغاية بحيث لا يمكن التكهن بها، وعلى مدى 36 يوماً، تابعت البلاد بقلق التغطية التلفزيونية لإعادة فرز الأصوات والطعون القضائية، واستخدم المعلقون السياسيون تسميات الولايات الحمراء والزرقاء كاختصار، وحينذاك كانت تغطية الانتخابات ليلة بعد ليلة سبباً في ترسيخ الألوان السياسية في مخيلة الأمة: الأحمر للجمهوريين والأزرق للديمقراطيين، وبحلول الانتخابات الرئاسية عام 2004، تم اعتماد الولايات الحمراء والزرقاء في المعجم السياسي الأمريكي.

من المثير للاهتمام أن مراجعة شعارات مرشحي الأحزاب الرئيسية في الانتخابات الرئاسية بين عامي 1972 و2016 تظهر أن اللون الأزرق هو اللون السائد لكلا الطرفين، فقد استخدم الحزبان شعارات يهيمن عليها اللون الأزرق، ولا يزال بعض الديمقراطيين والجمهوريين يستخدمون اللون الأزرق في دعايتهم بكثرة، وتم تفسير ذلك بالحاجة لإبراز نصوص الشعارات أو لربط مرشحيهم في أذهان الناخبين بالقيادة الهادئة التي قد يوحي بها هذا اللون.

الولايات المتأرجحة

يطلق مسمى الولايات المتأرجحة على الولايات القليلة التي تتأرجح بين الأحزاب في كل عام انتخابي؛ فتصوت أحياناً للجمهوريين، وأحياناً للديمقراطيين، وهي اليوم ولايات: أريزونا وجورجيا وميشيغان ونيفادا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا وويسكونسن.

تصوت أغلب الولايات باستمرار لصالح حزب محدد لا يتغير، فبين عامي 2000 و2016، صوتت 38 ولاية لنفس الحزب السياسي باستمرار، ولكن الولايات المتأرجحة تبقى أقل قابلية للتنبؤ. وعلى ذلك لن يكون اسم المرشح الرئاسي الفائز في معظم الولايات مفاجأة، ولكن اليوم هناك سبع ولايات متأرجحة تظل نتيجتها غير متوقعة إلى حد كبير، ومن المرجح أن تقرر أصوات هذه الولايات السبع اسم الساكن الجديد للبيت الأبيض.

لكن من المحتمل نظرياً أن تغير أي ولاية اتجاهها وتتحول إلى ولاية متأرجحة؛ فقد شهدت انتخابات عام 1992 أعلى عدد من الولايات التي غيرت ميولها الانتخابية؛ حيث صوتت 22 ولاية لحزب مغاير للذي صوتت له في انتخابات 1988. وغالباً ما يستشهد بانتخابات 1992 باعتبارها التي أعادت تنظيم السياسة الأمريكية؛ حيث أدت هزيمة بيل كلينتون للرئيس جورج بوش الأب إلى تحويل عديد من الولايات التي صوتت تاريخياً للجمهوريين (بما في ذلك كاليفورنيا وكولورادو وميريلاند وغيرها) إلى ولايات صوتت بشكل موثوق للديمقراطيين على مدار العقد التالي.

ركزت الحملات السياسية لفترة طويلة على الولايات المتأرجحة بشدة، مثل أريزونا وجورجيا، لأنها توفر للمرشحين فرصة لإقناع الناخبين بالتصويت لصالحهم، وفي السنوات الأخيرة اكتسبت هذه الولايات القدرة على تغيير نتيجة الانتخابات.

يختار الناخبون مرشحي الرئاسة في بطاقات الاقتراع، لكن من يوصل أصواتهم هم مندوبو كل ولاية في المجمع الانتخابي، ولا فرق غالباً بين فوز مرشح رئاسي بأغلبية بسيطة أو حتى بإجماع أصوات الولاية، فمجرد فوزه بأغلبية الولاية يصوت مندوبوها لصالحه، ويبلغ عدد مندوبي الولايات المتأرجحة 93 مندوباً من أصل 538 عضواً بالمجمع الانتخابي.

يمنح هذا النظام الانتخابي الولايات المتأرجحة تأثيراً كبيراً على المرشحين، مما يجعل الانتخابات أكثر تنافسية فيها. وعلى العكس تماماً، تؤدي قوة الولايات المتأرجحة إلى إضعاف إقبال الناخبين في الولايات معروفة التوجه؛ حيث الأغلبية الحزبية أقوى، ويشعر الناس بأن أصواتهم قد لا تكون ذات أهمية، فإذا كنت تعلم أن ولايتك سوف تتجه نحو الحزب الجمهوري، فلماذا تصوت للديمقراطيين؟

لذا يتهم النظام الانتخابي الأمريكي بأنه جعل الانتخابات الرئاسية أقل عدالة، وبخاصة للناخبين في الولايات غير المتأرجحة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، الذين يأملون في سماع أصواتهم، وهناك محاولات قانونية كثيرة لتعديل هذا النظام وجعله أقوى وأدق تمثيلاً لأصوات الناخبين.

هذا يفسر لماذا تميل الحملات الانتخابية إلى إنفاق كثير من المال والوقت في تلك الولايات المتأرجحة؛ ففي كاليفورنيا الزرقاء مثلاً، لا توجد أجواء انتخابية قوية مثل التي توجد في ولاية نيفادا المتأرجحة؛ فالدعاية الانتخابية تطارد الناس في كل مكان.

تميل الولايات المتأرجحة إلى أن تكون أكثر قدرة على التنبؤ باسم الرئيس القادم، فعلى مدار الانتخابات التسع الماضية، كانت ولايتا نيفادا وأوهايو أكثر قدرة على التنبؤ بنتيجة الانتخابات الإجمالية ثماني مرات، فمنذ عام 1988، تمكن المرشح الرئاسي الفائز في هاتين الولايتين من الفوز بالانتخابات بنسبة 89%.

يقول ديفيد شولتز أستاذ العلوم السياسية والدراسات القانونية في جامعة هاملين ومحرر كتاب «الولايات المتأرجحة الرئاسية: لماذا 10 ولايات فقط مهمة»:

«إن الولايات المتأرجحة أصبحت بشكل متزايد ليست مجرد ولايات تتقلب ذهاباً وإياباً، ولكن نظراً للاستقطاب النسبي واليقين من تصويت الولايات الأخرى بطرق معينة، فهذه هي المجموعة الصغيرة من الولايات التي ستقرر حقاً الانتخابات الرئاسية».

المنافسة الرئاسية هذا العام 2024، قد تتوقف ليس فقط على الولايات المتأرجحة، ولكن أيضاً على «المقاطعات المتأرجحة»، وبشكل أكثر دقة، يقدر أن 5% من الناخبين في خمس مقاطعات في خمس ولايات قد يحددون نتيجة المنافسة هذا العام، فبحسب شولتز، فإن حسم المنافسة الحالية يعتمد على ما يقرب من 150 ألف ناخب.

وتوجد ثلاث ولايات متأرجحة هي بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن في ما يطلق عليه «حزام الصدأ»، وهي المنطقة التي تضم أيضاً ولايات أوهايو وفرجينيا الغربية وإلينوي وإنديانا؛ إذ يعلو الصدأ مصانع هذه المنطقة بسبب إغلاقها بعد تراجع العمل الصناعي أواخر السبعينيات، ويقال إن ترامب اختار نائبه جي دي فانس، لأنه ينتمي للطبقة العاملة بهذه الولايات، نظراً لأهميتها الكبيرة.

وهناك أيضاً ولايات «حزام الشمس»، وهي الولايات الجنوبية الحارة المزدهرة اقتصادياً وذات التعداد السكاني الكبير، وتضم فلوريدا وكارولينا الجنوبية وجورجيا، ونيفادا وأريزونا ونيو مكسيكو وتكساس، وقد علت حظوظ الديمقراطيين للفوز بهذه الولايات بعد اختيارهم لكامالا هاريس بدلاً من جو بايدن.

أبرز الفروق بين الديمقراطيين والجمهوريين

كثيراً ما تم تهوين الفارق بين الديمقراطيين والجمهوريين على اعتبار أن الخلافات بينهما ليست عميقة، وسبق أن انتقد أوباما عام 2004، من يحبون تقسيم البلاد إلى ولايات حمراء وأخرى زرقاء، مؤكداً أن البلاد موحدة في دعم نفس القيم.

ورغم أن كلا الطرفين يضمان أطيافاً فكرية مختلفة، لكن بصفة عامة يرتبط الحزب الديمقراطي أكثر بتأييد التدخل الحكومي في الاقتصاد، ودعم المساواة، والحريات كالحق في الإجهاض، والمطالبة بزيادة الضرائب على الأكثر ثراء، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتشديد القيود على حمل المواطنين للأسلحة، وتسهيل الهجرة للأراضي الأمريكية. ويميل الحزب الجمهوري نحو اليمين، ويشتهر برفض تدخل الحكومة في الاقتصاد، ودعم حق المواطنين في حمل السلاح، وتقييد استقبال المهاجرين. ولكن كلا الحزبين يدعمان الاحتلال الإسرائيلي ويخضعان لتأثير اللوبي اليهودي، وإن كان الحزب الديمقراطي يفعل ذلك بطريقة أقل استفزازاً من الجمهوريين.

يفضل سكان الريف، غالباً، الحزب الجمهوري، ويفضل أبناء الأقليات والمهاجرين الحزب الديمقراطي بسبب مواقف ترامب المتشددة تجاه المهاجرين. وقد لعب إقبال الناخبين السود عام 2020 دوراً مهماً في فوز بايدن بأصوات ولاية جورجيا كاملة على سبيل المثال. وسبق أن انتقد بعض الجمهوريين تخلى حزبهم في العموم عن المنافسة على الفوز بأصوات الأمريكيين من أصل أفريقي، ومحاولات الاستفادة سياسياً من الاستقطاب العنصري. ومع تنوع فئات المجتمع المؤيدة للديمقراطيين، ينظر له باعتباره الحزب المفضل لليبراليين واللادينيين واليساريين، بينما ينظر للحزب الجمهوري ككيان ممثل للمتدينين البروتستانت والبيض المتعصبين.

ومن الجدير بالذكر أنه قد نشأت حديثاً، حركات اجتماعية داعمة لأحد الحزبين الكبيرين؛ ففي عام 2009، تأسست حركة حزب الشاي، كحركة سياسية شعبوية، وذلك في أعقاب الأزمة المالية العالمية اعتراضاً على تدخل الحكومة الفيدرالية في الاقتصاد، واعتراضاً بشكل عام على زيادة ضرائب الدخل، ودعمت تشديد ضوابط الهجرة، واشتهرت بمعاداة الإسلام وتأييد الاحتلال الإسرائيلي. وقد عرفت كذلك بقربها من المجمع الصناعي العسكري والبروتستانت البيض. ورغم أن التيار الجمهوري السائد يتماشى بشكل متزايد مع معتقدات حزب الشاي، فإن العلاقة بين الحركة والحزب الجمهوري تتباين من ولاية إلى أخرى. وقد ظهر ما يسمى «حزب القهوة»، كرد فعل على حزب الشاي؛ حيث تأسس كظهير شعبي للديمقراطيين، وهو يميل نحو اليسار ويحظى بتأييد الأقليات العرقية والدينية.

وقد تسبب صعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في خلط الأوراق، فتحركت منظمة «فريدوم ووركس»، أبرز المجموعات السياسية المتشددة في حزب الشاي، إلى اليسار بشكل ملحوظ، وأجرت تحولاً جذرياً، لأسباب منها اعتراض ترامب على نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسر فيها عام 2021.

وكذلك أعلن عديد من السياسيين الجمهوريين دعم المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، احتجاجاً على الميول الشعبوية للمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، ومؤيديه المتطرفين. كما أن هناك شريحة كبيرة من الناخبين المترددين يحسمون اختياراتهم في الأيام الأخيرة أو حتى اللحظات الأخيرة قبل الاقتراع، وهذه الشريحة هي أهم عميل تستهدفه منتجات ماكينة الدعاية الانتخابية لكلا الحزبين الكبيرين.

# سياسة # الانتخابات الأمريكية # الولايات المتحدة الأمريكية # انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024

من هو ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية الأمريكي؟
هيجسيث: وزير دفاع يكره المرأة في الجيش الأمريكي
فيلم Civil war: متى تبدأ الحرب الأهلية الأمريكية؟

مجتمع